شروط
المربي الناجح في التربية والتعليم :
1- أن
يكون ماهراً في مهنته ، مبتكراً في أساليب تعليمه ، محباً لوظيفته وطلابه ، يبذل
جهده لتربيتهم التربية الحسنة ، يزودهم بالمعلومات النافعة ، ويعلمهم الأخلاق
الفاضلة ، ويعمل على إبعادهم عن العادات السيئة ، فهو يربي ويعلم في آن واحد .
2- أن
يكون قدوة حسنة لغيره ، في قوله وعمله ، وسلوكه ، من حيث قيامه بواجبه نحو ربه ،
وأمته وطلابه ، يحب لهم من الخير ما يحبه لنفسه وأولاده ، يعفو ويصفح ، فإن عاقب
كان رحيماً .
قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) .
3- من
شروط المعلم الناجح أن يعمل بما يأمر به الطلاب من الآداب والأخلاق وغيرها من
العلوم ، وليحذر مخالفة قوله لفعله ، وليسمع قول الله تعالى : {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} .
وهذا إنكار على من قال قولاً ولم يعمل به .
وقوله
صلى الله عليه وسلم : ( اللهم إني أعوذ بـك من علم لا ينفع) ، أي لا أعمل به ، ولا
أبلغه غيري ، ولا يُهذب من أخلاقي .
وقول الشاعر :
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
4- على
المعلم أن يعلم أن وظيفته تشبه وظيفة الأنبياء الذين أرسلهم الله تعالى لهداية
البشر وتعليمهم ، وتعريفهم بربهم وخالقهم ، وكذلك هو في منزلة الوالد في عطفه على
طلابه ، ومحبته لهم ، وأنه مسئول عن هؤلاء الطلاب : عن حضورهم ، واهتمامهم بدروسهم
، بل يحسن به أن يساعدهم في حل مشاكلهم وغير ذلك مما يُعد من مسئولياته ، قال صلى
الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته) .
وليعلم
أنه مسئول أمام الله عن طلابه ماذا علمهم ؟ وهل أخلص في البحث عن السبل الميسرة
لإرشادهم ، وتوجيههم التوجيه السليم ؟ .
قال
صلى الله عليه وسلم : ( إن الله سائل كل راع عما استرعاه ، أحفظ ذلك أم ضيعه؟ حتى
يسأل الرجل عن أهل بيته) .
ثم
إن عليه أن يخاطبهم بما يفهمون كل على قدر فهمه .
قال
علي رضي الله عنه : ( حدثوا الناس بما يعرفون ، أتحبون أن يُكذب الله ورسوله؟
5- إن
المعلم بحكم مهنته يعيش بين طلاب تتفاوت درجات أخلاقهم وتربيتهم وذكائهم ، لذلك
فإن عليه أن يسعهم جميعاً بأخلاقه ، فيكون لهم بمنزلة الوالد مع أولاده ، عملاً
بقول المربي الكبير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : ( إنما أنا لك بمنزلة الوالد
أعلمكم) .
6- على
المعلم الناجح أن يتعاون مع زملائه ، وينصحهم ، ويتشاور معهم لمصلحة الطلبة ،
ليكونوا قدوة حسنة لطلابهم ، وعليهم جميعاً أن يقتدوا برسول الله صلى الله عليه
وسلم ، حيث خاطب الله تعالى المسلمين بقوله : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}
.
7- التواضع
العلمي :
الاعتـراف
بالحق فضيلة ، والرجوع إليه خير من التمادي في الخطأ ، فعلى المعلم أن يتأسى بالسلف
الصالح في طلبهم للحق والإذعان له إذا تبين لهم أن الحق بخلاف ما يُفتون أو
يعتقدون .
والدليل
على ذلك ما ذكره ابن أي حاتم في كتابه ( مقدمة الجرح والتعديل) حين ذكر قصة مالك
رضي الله عنه ورجوعه عن فتواه حينما سمع الحديث ، وذكرها بعنوان (باب ما ذُكر من
أتباع مالك لآثار النبي صلى الله عليه وسلم ونزوعه عن فتواه عندما حُدث عن النبي
صلى الله عليه وسلم خلافه) :
قال
ابن وهب : سمعت مالكاً سئل عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء فقال : ليس ذلك على
الناس ، قال ، فتركته حتى خف الناس ، فقلت له : عندنا في ذلك سنة ، فقال : وما هي؟
قلت : حدثنا الليث بن سعد وابن لهيعة ، وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري
عن أبي عبدالرحمن الحبلي عن المستورد بن شداد القرشي قال : رأيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه ، فقال : إن هذا الحديث حسن ، وما
سمعت به قط إلا الساعة ، ثم سمعته بعد ذلك يُسأل فيأمر بتخليل الأصابع ([1]) .
ولو
أردنا استقصاء الأمثلة من حياة السلف لما كفتنا هذه الوريقات ، لذا يجب على المعلم
الذي يريد النجاح في مهنته ، أن يُذعن للحق ويتراجع عن خطئه إذا أخطأ ، ويعلم
طلابه هذا الخلق العظيم ، ويبين لهم فضل التواضع والرجوع إلى الحق ، وأن يطبق ذلك
عملياً في الفصل ، فإذا رأى إجابات بعض الطلبة أفضل من إجابته ، فليعلن ذلك
وليعترف بأفضلية إجابة هذا الطالب ، فذلك أدعى لكسب ثقة طلابه ومحبتهم له .
لقد
عشت قرابة أربعين عاماً معلماً ومربياً ، وإن أنسَ ، لا أنسى ذلك المعلم الذي
أخطـأ في قراءة حديث ، فلما رده بعض الطلاب أصرّ على خطئه ، وجعل يجادل بالباطل ،
فسقط هذا المعلم في نظر طلابه ، ولم يعد موضع ثقتهم .
ولا
أزال أذكر بعض المعلمين الصادقين الذين كانوا يعترفون بخطئهم ، ويتراجعون عنه ،
لقد أحبهم الطلاب ، وازدادت ثقتهم بهم ، وأصبحوا موضع إجلال وإكبار .
فحبذا
لو سار المعلمون جميعاً سير هؤلاء ونهجوا نهجهم في الرجوع إلى الحق .
8- الصدق
والوفاء بالوعد :
على
المعلم أن يلتزم الصدق في كلامه ، فإن الصدق كله خير ، ولا يربي تلاميذه على الكذب
، ولو كان في ذلك مصلحة تظهر له :
حدث
أن سأل أحد الطلاب معلمه مستنكراً تدخين أحد المعلمين ، فأجابه المعلم مدافعاً عن
زميله ، بأن سبب تدخينه هو نصيحة الطبيب له ، وحين خرج التلميذ من الصف قال : إن
المعلم يكذب علينا .
وحبذا
لو صدق المعلم في إجابته ، وبين خطأ زميله ، بأن التدخين حرام ، لأنه مضر بالجسم ،
مؤذ للجار ، متلف للمال ، فلو فعل ذلك لكسب ثقة الطلاب وحبهم ، ويستطيع أن يقول
هذا المعلم إلى طلابه : إن المعلم فرد من الناس تجري عليه الأعراض البشرية ، فهو
يصيب ويخطئ ، وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقرر ذلك في حديث قائلاً : (كل
بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون) .
لقد
كان بإمكان المعلم المسئول أن يجعل سؤال الطالب عن تدخين معلمه درساً لجميع الطلبة
، فيفهمهم أضرار التدخين ، وحكمه الشرعي ، وأقوال العلماء فيه ، وأدلتهم ، فيكون
بذلك قد استفاد من سؤال الطالب واستعمله في التربية والتوجيه .
يقول
الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يُكتب عند
الله صديقاً ..... الحديث) .
فالصدق
خلق عظيم ينبغي على المعلم أن يزرعه في طلابه ، ويجيبهم إليه ويعودهم عليه ، وليكن مطبقاً له في أقواله
وأفعاله ، حتى في مزاحه معهم عليه أن يكون صادقاً ، فقد كان الرسول صلى الله عليه
وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً ، وليحذر المعلم أن يكذب على طلابه ولو مازحاً أو
متأولاً ، وإذا وعدهم بشئ فعليه أن يفي بوعده ، حتى يتعلموا منه الصـدق ، والوفاء
قولاً وعملاً ، لأن الطلاب يعرفون الكذب ويدركونه ، وإن لم يستطيعوا مجابهة المعلم
به حياء منه ، وقد رأينا قصة المعلم الذي دافع عن زميله المدخن ، كيف أدرك الطلاب
كذبه .
9- الصبر :
على
المعلم أن يتحلى بالصبر على مشاكل الطلاب والتعليم ، فـإن الصبر أكبر عون له في
عمله الشريف .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق