أعظم كسب الرجل تربية أولاده تربية صالحة
أيها الأب : أيها أيتها الأم :
إن رأيتِ ، أو إن أردت حالة نفسية لا توصف من شدة ما فيها من سعادة هي قرة العين ،
الآية الكريمة : ﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا
قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ ، هذا العمل العظيم
تربية الأولاد جزاؤه في الدنيا قبل الآخرة ، في الآخرة جزاء عظيم ما جزاؤه ؟
﴿ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ
بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ ﴾
.
(
سورة الطور الآية : 21 ) .
يعني أعمال ذريتهم ألحقناها
بهم ، إن ربيت ولداً صالحاً كل أعماله الصالحة في صحيفتك ، الآن كل أعمال أولاده
في صحيفتك ، كل أعمال أولاد أولاده في صحيفتك ، كل أعمال ذريته إلى يوم القيامة في
صحيفتك ، لذلك :
(( أفضل كسب الرجل ولده )) .
[أخرجه
الطبراني عن أبو بردة بن نيار ] .
أعظم
أنواع الكسب أن تعتني بابنٍ يكون صالحاً من بعدك .
ذكرت
لكم من قبل أن الإنسان مفطور على حبّ وجوده ، وعلى حبّ سلامة وجوده ، وعلى حبّ
كمال وجوده ، وعلى حبّ استمرار وجوده ، سلامة وجودك بطاعة الله والطاعة دائماً في
الأعم الأغلب سلبية ، أنا ما كذبت ، ما ، أنا ما اغتبت ، أنا ما قصرت الاستقامة
طابعها سلبي ، تحقق السلامة ، ولكن العمل الصالح طابعه إيجابي ، يحقق السعادة الاستقامة تبدأ بما ، أما العمل الصالح يبدأ ،
ببذلت ، أعطيت ، ضحيت ، خدمت ، أنفقت دللت
، أنت بالاستقامة تسلم ، وبالعمل الصالح تسعد ، وبتربية الأولاد يستمر وجودك .
والله مرة توفي عالم جليل ،
وفي آخر أيام التعزية وقف ابنه وخطب خطبة رائعة فتأثرت تأثراً بالغاً وقلت : إذاً
لم يمت ! ما دام ربى ابنه ليكون على شاكلته ، يكون داعية إلى الله إذاً لم يمت !.
أنت بالاستقامة تسلم ، وبالعمل
الصالح تسعد ، وبتربية أولادك يستمر وجودك
لذلك في الحديث الشريف :
(( إن
أولادَكُم مِنْ أطْيَبِ كَسْبِكُم )) .
[ أخرجه
أبو داود.عن عبد الله بن عمرو بن العاص ] .
لكن
يحتاج إلى وقت ، يحتاج أن يكون ابنك معك ، أن تلزم ولدك ، أن توجهه ، العمل الذي يمتص كل وقتك هو خسارة ، ألغى
أبوتك ، ألغى تربيتك لأولادك ، ألغى توجيهك لهم .
أكدت لكم كثيراً أن النجاح في
الحياة لا يمكن أن يكون جزيئاً ، لا تعدّ ناجحاً في الحياة إذا حصّلت دخلاً كبيراً
، وأهملت أولادك ، لا تعدّ ناجحاً في الحياة إذا حصلت دخلاً كبيراً وأهملت عملك ،
لا تعدّ ناجحاً إذا اعتنيت بأولادك وقصرت مع ربك ، النجاح في الحياة لابد من أن
يكون شمولياً ، أن تنجح في علاقتك مع الله ، وعلاقتك مع زوجتك وأولادك ، وعلاقتك مع عملك ، وعلاقتك مع صحتك .
(( إن
أولادَكُم مِنْ أطْيَبِ كَسْبِكُم )) .
[ أخرجه
أبو داود.عن عبد الله بن عمرو بن العاص ] .
والله لا أبالغ ، أعظم عمل
تقوم به أن تربي ابنك تربية إيمانية أخلاقية ، علمية نفسية ، اجتماعية ، جسمية ، أن تربي ابنك هذه
التربية إذاً هو قرة عينك .
والله مرة قلت لأب ابنه عندنا
في المسجد لكن صالح جداً ، متفوق في دراسته ، أخلاقه عالية ، ويتابع القرآن الكريم
وطلب العلم ، قلت له : والله هذا الابن بالمقياس المادي يسوى مئة مليار دولار ، لو
معك مئة مليار هذا الابن أغنى من هذا المبلغ ، ولو كنت في الكفاف ، وعندك هذا
الابن ما خسرت شيئاً .
تربية أولادنا فرض عين علينا :
إذاً
﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾
، إله عظيم يقول :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ
وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾
.
(
سورة التحريم الآية : 6 ) .
تربية
الأولاد بحسب هذه الآية فرض عين ، ﴿ قُوا
أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾
، ورد في بعض الآثار : أن البنت التي لا يربيها أبوها ، قد تتفلت ، وقد تستحق
النار يوم القيامة ، تقف هذه البنت أمام رب العزة ، تقول له : يا رب لا أدخل النار
حتى أدخل أبي قبلي ، لأنه كان سبب شقائي .
فبين
أن ترقى إلى أعلى عليين ، وبين أن يسقط الإنسان في أسفل سافلين بتربية أولاده .
أيها
الأخوة ، ﴿ يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ﴾
، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا
أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ﴾
، وبالمقابل :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ
وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾
.
(
سورة المنافقون الآية : 9 ) .
هذه الآية تؤكد المعنى الشمولي
، ﴿ لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا
أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ ، ينبغي أن تربي أولادك ، الله عز
وجل يوصيك بهم ، وينبغي أن تعتني بإيمانك واستقامتك وعملك الصالح .
نحن إذا ذكرنا كلمة قتل يقفز
إلى أذهاننا هو الذبح ، لا ، قال تعالى :
﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾
.
(
سورة البقرة الآية : 191 ) .
هذه البنت البريئة التي وئدت
في الجاهلية ، ما مصيرها ؟ إلى الجنة ، مع أنها وئدت ، والله عز وجل يقول :
﴿ وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ﴾ .
(
سورة التكوير ) .
واستناداً
إلى قوله تعالى : ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ
الْقَتْلِ ﴾ معنى ذلك إن لم تربِ ابنتك ، وتفلتت ، وعرضت مفاتنها ، ولم
تكن منضبطة بمنهج الله ، أنت بهذا قتلتها
والدليل : ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ
الْقَتْلِ ﴾ ، لذلك الآية الكريمة :
﴿ وَلا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ﴾
.
(
سورة الأنعام الآية : 151 ) .
الإملاق
هو الفقر ، قد نفهم هذه الآية بالمعنى الواسع ، يعني من أجل تأمين دخل كبير لا
تهتم بدينه ، لا تهتم بعقيدته ، قد ترسله إلى بلد يعود كافراً بدينه و بأمته ، من
أجل أن يحصّل دخلاً كبيراً ، وهذا مزلق خطير يقع به الآباء من أجل دنيا أبنائهم ،
قد يكون محل فيه فتنة ، فيه فساد ، فيه اختلاط ، فيه انحراف ، في بلد بعيد ، قد
يأتي وقد ارتكب الفواحش ترى الأب لا يهتم بدين ابنه ، كما يهتم بدخله وعمله ، هذا
مزلق خطير في حياة المسلمين ، قد يفهم هذا المعنى من قوله تعالى : ﴿ وَلا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ ﴾
، لأن : ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾
، فأنت حينما تهمل دينه ، وعقيدته ، وتهمل استقامته ، ولا يعنيك طهارته ، أو
انحرافه كأنك قتلته ، ﴿ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ
مِنَ الْقَتْلِ ﴾ .
أيها
الأخوة ، شيء آخر :
(( إن أولادكم هبة الله لكم )) .
[أخرجه
الحاكم عن عائشة رضي الله تعالى عنها ] .
هبة
الله ثمينة جداً ، أنا والله في الثلاثين عام الماضية ، ما أفتيت بإسقاط ، ولو كان
ضمن الأربعين يوماً ، أقول هذا هدية من الله ، قد يكون هذا الابن مصلحاً كبيراً ،
أو داعية كبيراً ، أو عالماً جليلاً ، الابن هدية من الله ، والهدية ينبغي أن
يُعتنى بها .
(( إن أولادكم هبة الله لكم )) .
الدليل
:
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ﴾
.
(
سورة الأنعام الآية : 84 ) .
﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى ﴾
.
(
سورة الأنبياء الآية : 90 ) .
﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ ﴾
.
(
سورة ص الآية : 30 ) .
الهبة
فضل من الله عز وجل ، إذا أب عنده ابن صالح ، يقول لك : والله ما اعتنيت به كثيراً
، لكن هو صالح ، هو صاحب دين ، اسجد لله ، واشكر الله عز وجل أن وهب لك ولداً
صالحاً ، فكم من إنسان منضبط ، وعالم ، وعامل ، ومتفوق ، له ابن ليس كما يريد ، ﴿ وَوَهَبْنَا
لَهُ ﴾ هذا معنى آخر ، أي إذا ابنك صالح جداً لا تنسب صلاحه إليك انسب صلاحه إلى أن الله عز وجل تفضل عليك ،
بهذا الابن الصالح .
والله
أيها الأخوة ، لا أبالغ ما من شعور يغمر قلب الأب والأم لدرجة أنهما يسعدان بهذا
الشعور كأن يرى الأب أو الأم ابنهما صالحاً .
والله
امرأة في لوس أنجلوس كان في مؤتمر إسلامي كبير ألقيت كلمة ، ولما انتهت كلمتي
اقتربت مني امرأة محجبة ، قالت لي : أنا أخت فلان ، فلان صديقي في الشام قلت : أهلاً وسهلاً ، فإذا هي تنفجر بالبكاء ،
قلت : خير إن شاء الله ؟! قالت : ابنتي راقصة
و ابني ملحد .
لذلك
قد تجد في بلاد الغرب رخاء ، ودخلاً فلكياً ، وبلاداً جميلة ، لكن تخسر شيئاً
واحداً ، تخسر أولادك .
أيها
الأخوة ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( أَكْرِمُوا أَوْلادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ ))
.
[
أخرجه ابن ماجه عن أنس بن مالك ] .
أيعقل أن ينزل النبي من على
المنبر وهو يخطب ليحمل الحسن والحسين ، ويتابع الخطبة ؟ أيعقل أن النبي في أثناء
السجود يرتحل الحسن ظهر النبي ، فيطيل السجود إكراماً له ؟ كان إذا دخل بيته
بساماً ضحاكاً ، كان يقول :
(( أَكْرِمُوا أَوْلادَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ ))
.
[
أخرجه ابن ماجه عن أنس بن مالك ] .
(( من كان له صبي فليتصابَ
له )) .
[
من الجامع الصغير : عن " أبي معاوية " ]
سيد العالمين ، سيد المرسلين
، في البيت يلاعب أحفاده ، يمتطون ظهره ، هل رأيت أباً كهذا الأب ؟ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق