بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على
سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم
أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى
جنات القربات .
أيها الأخوة الكرام ، مع الدرس السادس من دروس
تربية الأولاد في الإسلام ولا زلنا في
التربية الاجتماعية .
لابدّ من مقدمة :
القاعدة الذهبية الرائعة : درهم وقاية خير من
قنطار علاج ، فكلما كان الأب أعلى وعياً ، وفهماً ، وإدراكاً للمسؤولية ، كلما كان
الأب عالماً برسالته تجاه أولاده ، كلما كان الأب متمثلاً المسؤولية التي حمله
الله إياها ، سلك الوقاية قبل العلاج ، درهم وقاية خير من قنطار علاج .
مرة سيدنا معاوية سأل أحد أكبر دهاة العرب (عمرو
بن العاص) ، قال له : يا عمرو ، ما بلغ من دهائك ؟ قال له : والله ما دخلت مدخلاً
إلا أحسنت الخروج منه ، قال : يا عمرو لست بداهية ، أما أنا ، والله ما دخلت
مدخلاً أحتاج أن أخرج منه ، أنا في الأساس لا
أدخل .
فهناك مشكلات لا تعد ولا تحصى في الأسرة ، يجب
أن نعلم جميعاً ، ومن دون خجل ، ومن دون تحفظ ، أن معظم أخطاء الأولاد بسبب الآباء
، الأبوة مسؤولية ، الأبوة أمانة ، الأبوة رسالة ، الأبوة المثالية طريق إلى سعادة
الدنيا والآخرة ، الأبوة المثالية مكافأتها في الدنيا قبل الآخرة ، ما المكافأة في
الدنيا ؟ أن يكون ابنك قرة عين لك ، المشاعر التي تنتاب الأب الذي اعتنى بأولاده ،
ورآهم ملء السمع والبصر ، خلقاً ، وديناً ، واستقامة ، هذه المشاعر لا تقدر بثمن ،
ولا توصف .
أيها الأب ، أيتها الأم ، أنت الرابح الأول ،
وأنت الرابحة الأولى ، إذا اعتنيتما بالأولاد ، لأن النبي عليه الصلاة والسلام
يقول :
(( أفضل كسب الرجل
ولده )) .
[ أخرجه
الطبراني في الكبير عن أبي برزة بن نيار ] .
أي أفضل كسب على الإطلاق ابنك ، لأنه امتداد لك
، لأنه به يستمر وجودك .
كنت أقول لكم دائماً : أنت باستقامتك على أمر
الله تحقق سلامة وجودك ، وأنت بالعمل الصالح ، والبذل والتضحية ، والتقرب إلى الله
تحقق كمال وجودك ، وبتربية أولادك تحقق استمرار وجودك .
صدقوا أيها الأخوة ، حينما يموت الأب ، ويخلف
ولداً صالحاً أقول بملء فمي : الأب لم
يمت ، ما دام هذا الابن خليفته يمشي على نهجه ، تأدب بآداب الإسلام ، الأب لم يمت
.
إذاً الحقيقة المرة لا توارب ، لا تتهرب ، معظم
أخطاء الأولاد من الآباء ، معظم أخطاء الطلاب من المعلمين ، معظم أخطاء أفراد
المجتمع من قياداته ، معظم أخطاء التلاميذ في المسجد من الذي لا يحسن بناء نفوسهم
، هذه الحقيقة المرة ، واعتمدوها دائماً ، وهي أفضل ألف مرة من الوهم المريح .
مثلاً : القسوة الشديدة من الأب تعلم ابنه الكذب
، إذا في اعتدال ، في هدوء ، في وعي ، في مسامحة ، يا بني تكلم ما الذي حصل ؟ أنا
أبوك ، أنا أنصحك ، أنا أرشدك ، أما الضرب الشديد ، والسُباب ، يصبح الابن منخلع
القلب من البوح لأبيه مما جرى ، ما لم يكن ابنك صديق لك ، وما لم تكن ابنتكِ صديقة
لكٍ ، لن يبوح ، ولن تبوح لك ولها بما حصل .
إخوانا الكرام ، الذي يحصل دائماً الموقف المتطرف
سهل ، أن تسيب عملية سهلة ، ألا تبالي ، ألا تأبه ، ألا تدقق ، ألا تحاسب ، ألا
تراجع ، القضية سهلة ، أب مهمل .
وأنا والله يا أخوان من أعماق أعماقي أقول لكن
بتعريف لليتيم لم يكن من قبل اليتيم : من يجد أماً تخلت ، أو أباً مشغولاً ، هذا
اليتيم ، اليتم الحقيقي أب مشغول ، أم متفلتة
، أم همها مكانتها ، وزينتها ، والافتخار بزوجها ، ورحلاتها ، وولائمها ،
وما في يدها من حلي ، والأب من نزهة إلى نزهة ، ومن صديق إلى صديق ، والأولاد
ضاعوا ، من معاني اليتم الحقيقي أب مشغول ، وأم لا ترعى أولادها ، وقد ورد في بعض
الأحاديث :
(( أيما امرأة قعدت على
بيت أولادها فهي معي في الجنة )) .
[ من الجامع الصغير عن أنس ]
والحديث أذكره كثيراً ، في الأدب المفرد للبخاري
:
(( أول من يمسك بحلق الجنة أنا ، فإذا امرأة
تنازعني ، تريد أن تدخل الجنة قبلي ، قلت
: من هذه يا جبريل ؟ قال : هي امرأة مات زوجها ، وترك لها أولاداً ، فأبت الزواج
من أجلهم )) .
تربية الأولاد أعظم عمل على الإطلاق ، ولاسيما
في هذه الأيام ، أيام التفلت ، أيام النساء الكاسيات العاريات ، المائلات المميلات
، في أيام الانترنيت ، في أيام الفضائيات ، في أيام المجلات ، في أيام رفقاء السوء
، في أيام المحمول وما فيه من أفلام وصور ، في مثل هذه الأيام يحتاج الأب إلى كم
كبير جداً من العناية بأولاده حتى يكونوا قرة عين له التساهل سهل ، والتعنيف سهل ،
الأب يغضب يضرب ضرباً مبرحاً ، يشفي غليله ، وما فعل شيئاً لكنه عقّد المشكلة ،
وأقام حاجزاً بينه وبين ابنه ، والذي يحصل أنا أسميها حلقة مفرغة الأب يسيب ، لا
يبالي ، لا يدقق ، لا يحاسب ، الابن يتفلت ، يرى أباه لا يحاسبه يزداد تفلتاً ،
يرى أباه لا يبالي في مجيئه إلى البيت ينام خارج البيت ، ثم يكتشف الأب فجأة أنه
خسر ابنه فيقسو قسوة غير طبيعية ، من تسيب غير مقبول ، وغير معقول ، إلى قسوة غير
مقبولة وغير معقولة ، هذه مشكلة الأسر
اليوم ، تسيب ، وقسوة ، التسيب تبعه تفلت ، والقسوة تبعها حاجز بين الأب وابنه ،
هذا الواقع .
أيها الأخوة ، لكن المتابعة صعبة ، وأنت هادئ ،
ضابط أعصابك ، في مشكلة في البيت ، تعالجها بحكمة ، بهدوء ، بحلم ، بنصيحة ،
بمتابعة ، بتوجيه ، بإلقاء حكمة ، بأن يكون ابنك معك ، بأن تعلمه ، بأن توجهه ،
المتابعة صعبة ، بالتعبير الدقيق الثمن باهظ
والنتائج رائعة .
شيء آخر : الناس أنت لهم ، وغيرك لهم ، أما
أولادك من لهم غيرك ؟ من المسؤول عنهم غيرك ؟ من المحاسب عنهم غيرك ؟ من الذي
سيتألم إذا انحرفوا غيرك ؟ دقق تمشي في الطريق لا سمح الله ، ولا قدر ، رأيت
شباباً ثلاثة ، أحدهم ابنك ، والثاني ابن أخيك ، والثالث صديق ابن أخيك يدخنون ،
أنت تصبح كالمرجل ، على من ؟ على ابنك ، لأنه لصيق بك ، لأنه امتداد لك ، لأنه
قدرك ، ابن أخيك تعنفه ولكن بحدة أقل ، أما صديق ابن أخيك تقول له انصرف إلى البيت
، أما الألم والغليان على من ؟ على ابنك ، لأنه جزء منك ، لأنه امتداد لك ، لأنه
قدرك ، لأنه مصيرك .
والله أيها الأخوة ، بحكم عملي في الدعوة إلى الله
لثلاثة و خمسين عاماً مضت ، والله يتصل بي آباء يكاد يموتون ألماً من تفلت أبنائهم
، وضياعهم ، وسقوطهم ، وشقائهم في الدنيا والآخرة .
بطولة الأب الحكيم و
اليقظ أن يعالج مشاكل أبنائه من بدايتها قبل أن تستفحل:
بالقرآن إشارات لطيفة جداً :
﴿
وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾ .
( سورة
النساء الآية : 34 ) .
النشوز لم يقع ، لكن له علامات مبكرة فالأب
اليقظ ، والأب الحكيم ، والأب المربي ، والأب المؤمن ، ينتبه لهذه العلامات التي
تؤشر على وقوع نشوز ، ﴿ وَاللاتِي
تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ ﴾ أنا لا أدقق في معاني الآية هذه ، أدقق في
فكرة واحدة أن الإنسان المربي يتنبه للشيء من بداياته ، دخلت إلى البيت فجأة ابنتك
وضعت السماعة في مكانها كان في مكالمة ،
وخافت حينما رأتك ، مع من ؟ أين كنت ؟ اضطربت ، اضطراب الابن في مشكلة ، لمن هذه
الساعة ؟ صار في تلعثم ، التلعثم بداية ، أنت كأب بطولتك أن تعالج الأمر قبل أن
يقع ، لمجرد وجود إشارات ، علامات بسيطة ، ﴿ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ
نُشُوزَهُنَّ ﴾ ، أنا يعنيني من هذه الآية ليس معناها الدقيق ولكن التنبه إلى
ظاهرة من بدايتها .
الآن حتى بالطب أي عرض لمرض إن تنبهت إليه في
وقت مبكر العلاج سهل جداً ، أما بعد أن يستفحل المرض صار العلاج صعب جداً .
هذا الكلام لمن ؟ دقق ، للآباء ، للمعلمين ،
للمربين ، للدعاة ، لكل منصب قيادي مدير مستشفى ، مدير جامعة ، مدير ثانوية ، مدير
معمل ، أي منصب قيادي ، والأب والأم في الدرجة الأولى .
الآن هناك دراسة نفسية دقيقة تؤكد هذه الدراسة
أن تأثير الأب ، والأم ، والأخ الأكبر ، والأخت الكبرى ، وخطيب المسجد ، والمعلم
كل هؤلاء تأثيرهم 40% ، ورفيق السوء تأثيره 60% .
مدرس تربية إسلامية في محافظة نائية من محافظة
بلدنا في الشمال الشرقي ، له ابن ، أدخله معهداً شرعياً ، له رفيق سوء ، هذا الرفيق
دلّه على الدخان ، ثم انحرف به أخلاقياً ، ثم امتهن تجارة المخدرات ، ثم سافر إلى
بلد شرقي بعيد ، ثم اتهم بالعمالة لجهة غربية ، ثم أُعدم ، قصة في الانترنيت ،
رفيق السوء نقله من الدخان ، إلى الفاحشة ، إلى المخدرات ، إلى العمالة ، إلى
الإعدام .
اسمعوا هذه الكلمة بالصوت العالي : لابدّ من أن
تعرف من هو صديق ابن ، أو من هم أصدقاء ابنك ، ومن هم صديقات ابنتك ، في الدرجة
الأولى ، وأنا أعني ما أقول الفضل لله عز وجل ، الذي أقوله لا آخذه من كتب آخذه من
واقع .
كان عندي شاب بالمسجد ، تائب ، منيب ، صائم ،
مصلي ، رائع ، اختفى ، سألت عنه ، كان مع رفقاء السوء سابقاً في عصابة سرقة ، ألقي
القبض عليها ، وكان عضواً فيها ، وكانت مهمته مراقبة الطريق من بعيد لأصدقائه
أثناء سرقتهم البيوت ، فلما قبض عليها أعطوا اسمه أثناء التحقيق ، أُلقي القبض
عليه وأدخل السجن ، حُكم ست سنوات ، طبعاً أنا اعتنيت به كثيراً ، أرسلت له أخوة
إلى السجن لكن وقع الذي وقع .
أيها الأخوة ، صدق ، ولا أبالغ يمكن أن تعيش في
بيت متواضع جداً ، تأكل خشناً ، ترتدي ثياباً قديمة ، وبيتك منتظم ، وزوجتك وفية ،
وابنك بار ، أنت ملك ، أساساً الملك سأل وزيره من الملك ؟ قال له : أنت ، قال له :
لا ، الملك رجل لا نعرفه ولا يعرفنا ، له بيت يؤويه ، و زوجة ترضيه ، و رزق يكفيه
.
بطولتك أن تضع يدك على أسباب السعادة ، السعادة في
الطهارة ، في العفة ، في الاستقامة ، في الصدق ، في أسرة متماسكة ، بين أفرادها
الحب ، والوداد ، أحياناً يموت الأب ، أنا أتابع بعد موت الأب ما الذي يحصل ؟ بعض
الأسر ، سبحان الله ! الأسرة متماسكة متفاهمة ، متعاونة ، وما غابت إلا عين الأب ،
وفي أسر يموت الأب ، يتنافسون على الميراث ، يتقاتلون ، يتناحرون ، يختصمون في
المحاكم ، تصبح قصصهم حديث المجتمع .
أيها الأخوة ،
هناك ملاحظة ، هذه الملاحظة قاعدة في قانون العقوبات ، لا معصية قبل
التكليف ، من عادات الآباء يفاجئون في أخطاء أولادهم ، يضربونهم ، أنت بلغته أن
هذا العمل لا يجوز ؟ بينت له ؟ وضحت له ؟ أرشدته ؟ نبهته ؟ أخبرته ؟ لا ، العمل
أزعج الأب انهال عليه ضرباً ، هذه آثار التربية السيئة ، بيّن ، يا بني هكذا نفعل
، هكذا نعامل الناس ، هكذا نصادقهم ، هكذا نتعامل معهم .
إذاً إياك أن تعاقب قبل أن تنبه ، وإياك أن
تعاقب قبل أن تنبه مرة ، ومرتين ، وثلاث
مرات ، الإنسان قد ينسى ، اجعل هذا منهجاً .
لو سألتني (طبعاً في الدرس الماضي كان الدرس عن
الكذب ، واليوم عن السرقة ، لكن أريد تمهيداً دقيقاً ) ما الوقاية من السرقة ؟
الوقاية أن تعتني بحرفتك ، أن تتقن عملك ، أن تكون مجتهداً فيه ، حتى تكسب مالاً
حلالاً وفيراً تلبي حاجات أسرتك ، حينما تُؤمن الحاجات الأساسية يشد الابن إلى
أبيه وأمه ، يشد إلى البيت ، البيت معقول ، لا أتكلم عن الفخامة أبداً ، أتكلم عن
بيت معقول فيه الحد الأدنى من الشروط الأساسية ، طعام ، ثياب ، تدفئة ، مصروف
معقول ، هذا ثمنه أنك أتقنت عملك ، ورد في بعض الآثار :
(( من أمسى كالاً من عمل
يديه أمسى مغفوراً له )) .
[ أخرجه
الطبراني عن عبد الله بن عباس ] .
أنا عملي ، أنت حينما تقوم بعملك ، معك حرفة ،
تحمل شهادة عليا ، عندك عيادة ، مكتب هندسي ، تجارة متواضعة ، لك دخل ، دوام منضبط
، صنعة متقنة ، معاملة للناس طيبة ، لك رزق وفير ، هذا الرزق تنفقه على عيالك ،
والله كلمة قالها صحابي جليل والله تكتب بماء الذهب ، قال : حبذا المال ، أصون به
عرضي ، وأتقرب به إلى ربي .
طفل ثيابه جيدة ، معطف بالشتاء ، حاجاته
الأساسية مؤمنة ، له غرفة بالبيت ، يأكل طعاماً جيداً ، له طموحات بكومبيوتر ،
بجهاز وفره له أبوه ، هذا الابن الذي عمل أباه عملاً متقناً ، وكسب مالاً حلالاً ،
أقسم لكم بالله الأب عمله في عبادة ، لأنه يحقق رسالة الأبوة .
اسمعوا هذا الكلام الدقيق : مهنتك ، حرفتك التي
ترتزق منها ، إذا كانت في الأصل مشروعة ، تجارة أقمشة مشروعة ، تجارة أخشاب ،
تأجير أفلام غير مشروعة ، مبيع دخان غير مشروع ، أحياناً مقهى انترنيت لو تتبعت
هؤلاء الذين يجلسون حتى منتصف الليل يفتحون على مواقع لا ترضي الله عز وجل ، هناك
آلاف المصالح لا ترضي الله ، أبداً ، أنا أقول عن حرفة هي في الأصل مشروعة ترضي
الله ، وسلكت بها الطرق المشروعة صدق ، أمانة ، إخلاص ، إتقان ، سعر معتدل ، في
المحل لا يوجد غمز ، ولا لمز ، ولا نظرة مريبة من شاب لفتاة ، تقام في هذا المحل
الصلوات ، أو في المسجد ، هذا المحل التجاري منضبط ، إذا كانت حرفتك مشروعة ،
وسلكت بها الطرق المشروعة ، وابتغيت منها كفاية نفسك ، وأهلك ، وخدمة المؤمنين ،
أو الناس أجمعين ، ولم تشغلك عن واجب ، ولا عن فريضة ، ولا عن طلب علم ، ولا عن
عمل صالح ، استمع إلى النتيجة ، انقلبت هذه الحرفة إلى عبادة ، قالوا : عادات
المؤمن عبادات ، وعبادات المنافق سيئات .
إنسان (أقول لكم بكل دقة) أخذ أهله نزهة منضبطة ،
أطعمهم طعاماً طيباً ، لاعب أولاده ،
أُقسم لكم بالله هو في قمة العبادة ، لأنه أدخل على قلب أهله السرور ، كان أباً
مثالياً ، بحثت طويلاً عن ثياب لابنك يحبها جميلة ، فرح بها ، اعتز بها .
اسمحوا لي بهذه الكلمة لا تعدوها قاسية : في
عالمنا الإسلامي الأب محترم أكيد بثقافتنا الإسلامية ، لكن المطلوب لا أن تكون
محترماً أن تكون محبوباً ، والأب لا يُحب إلا إذا كان محسناً ، بتقاليدنا ،
بعاداتنا ، بثقافتنا ، بما نشأنا عليه الأب محترم جداً لكن أنا أقول لك : بطولتك لا أن تكون محترماً
بل أن تكون محبوباً .
سؤال : أحياناً يشعر أهل البيت وكأنهم في عيد ،
لكن متى ؟ إذا دخلت أم إذا خرجت ؟ هنا البطولة ، في بعض الآباء إذا خرجوا خلص الشر
، والصراخ ، والسُباب ، و الضرب ، صار العيد في البيت ، أنا والله حينما أرى أباً
يدخل بيته فإذا الأهل يكادون يرقصون فرحاً أقول هذا أب ناجح ، يجب أن تجعل بيتك
جنة ، يجب أن تجعل بيتك جنة بيدك ، تقول لي : دخلي محدود ، يمكن أن يأكل أولادك
أخشن الطعام ، وأن يرتدوا ثياباً مستعملة سابقاً ، بأصغر بيت ، لكن في حب بالبيت ،
في حب ، السعادة ما لها علاقة بالمال إطلاقاً ، علاقتها بالقيم الإنسانية ،
علاقتها بالحب .
يا رسول الله كيف حبك لي ؟ قال لها : كعقدة
الحبل ، تسأله من حين لآخر كيف العقدة ؟ يقول : على حالها .
والله بإمكان كل واحد منا ، ولا أستثني واحداً
أن يجعل بيته جنة ، على ما هو عليه ، بيت صغير ، كبير ، أجرة ، ملك ، جنوبي ،
شمالي ، فوق الأرض ، تحت الأرض ، دخل محدود ، دخل غير محدود لا يفرق ، بلطفك ،
وإيمانك ، وعطفك ، ومحبتك لأولادك يصبح البيت جنة .
الآن إذا كنت مرتاحاً في البيت جهدك في الخارج
يتضاعف ، مرتاح ، الزوجة محبة ، الابن بار ، في انضباط ، في حب .
لذلك الكلمة التي أتمنى أن تحفظوها : حبذا المال
أصون به عرضي ، وأتقرب به إلى ربي ، والله أنا أحياناً أشاهد أباً مثالياً أثني
عليه ، ما شاء الله ! أب من الطراز الأول ، حاجات أولاده مُؤمنة كلها ، ضابط أموره
، ضابط حركاته ، دراستهم ، أعمالهم .
والله التقيت بعالم ، قال لي : عندي 38 حفيداً ،
13 طبيب منهم ، وأكثرهم حفاظ لكتاب الله ، هذه أبوة .
إخوانا الكرام ، البيت أحد أسباب سعادتك ، ورد
في بعض الأقوال : جنة المؤمن داره ، وبصراحة الأب الناجح المؤمن في البيت مرح جداً
، يروي طرف ، يلاعب أولاده ، كان النبي
يمشي ويركب الحسن والحسين على ظهره وهو سيد الخلق وحبيب الحق ، هكذا النبي علمنا ،
كلما وقعت عيني على طفل أقول : يا رب هذا هدية من الله لوالديه ، يمكن أن يكون سبب
سعادتهما ، ويمكن أن يكون سبب شقائهما .
قال لي أب : والله إذا دُهس ابني لأقيمن مولداً
فرحاً بموته ، والله ، يا لطيف يحكي لي
قصص عنه بلاء من الله .
(( لا تقوم الساعة حتى
يكون الولد غيظاً والمطر قيظاً ويفيض اللئام فيضاً ويغيض الكرام غيضاً )) .
[ أخرجه
الطبراني عن عائشة أم المؤمنين ] .
أنا أتكلم بشكل خلفي حول موضوع السرقة ، أتحدث
عن الوقاية ، الوقاية أن تتقن عملك ، وأن تكسب مالاً حلالاً يغطي حاجات أولادك ،
فإذا أولادك يلتصقون بك ، وهم بيدك أنت توجههم ، وبالمقابل المال الزائد الغير
منضبط يفسد الأولاد .
بصراحة ، أنت مؤمن ، ودخلك كبير ، تعطي ابنك
بالابتدائي خمسمئة ليرة ، الابن ما عنده كمال ، يقول لرفيقه معي خمسمئة ليرة ، كسرت قلب أصدقاء ابنك ، أو
في أكلات غالية جداً ثمن القطعة مئتي ليرة أحياناً ، أربع خمس قطع في الحقيبة ،
يفتخر أمام أصدقائه ، اسمعوا هذا الحديث بالأثر النبوي :
(( أتدرون ما حق الجار ؟ إن استعان بك أعنته ، وإن استنصرك نصرته
، وإن استقرضك أقرضته ، وإن افتقر عدت عليه ، وإن مرض عدته ، وإن مات تبعت جنازته ،
وإن أصابه خير هنأته ، وإن أصابته مصيبة عزيته ، ولا تستعل عليه بالبناء فتحجب عنه
الريح إلا بإذنه ، وإذا اشتريت فاكهة فاهدِ له ، فإن لم تفعل فأدخلها سرا ولا يخرج
بها ولدك ليغيظ بها ولده ، ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها )) .
[ من
تخريج أحاديث الإحياء عن عمرو بن شعيب ]
أعطِ ابنك المبلغ الذي يستطيعه معظم الطلاب ،
قطعة فاكهة يقدر عليها كل أولياء الطلاب ، شطيرة عادية ، أطعمه في البيت أطيب
الطعام ، أما في المدرسة أعطيه شيئاً لا يسبب حرجاً لمن حوله .
أيها الأخوة الكرام ، أنا عالجت موضوع السرقة
لكن بأسلوب غير مباشر ، أنت حينما تكفي أولادك يرتبطون بك ، بك وبقيمك ، بك وبدينك
، بك وبثقافتك .
وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يكون هذا الدرس
سبباً للتنبه لخطورة تربية الأولاد في الإسلام .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق