بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة
والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد
الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ،
ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الأخوة الكرام ، مع الدرس الخامس
من دروس تربية الأولاد في الإسلام ولازلنا في التربية الأخلاقية .
من زاد عليك في الخلق زاد
عليك في الإيمان :
بادئ ذي بدء : الإيمان هو الخلق ، فإذا
ألغي الخلق ، ألغي الإيمان ، ألغي الدين أصبح الدين من دون خلق عادات وتقاليد ،
أصبح ثقافة ، أصبح تراثاً ، أصبح فلكلوراً ، إذا ألغيت الأخلاق من الدين ألغيت
الدين كله .
لأن أحد أكبر علماء المسلمين وهو ابن القيم
رحمه الله تعالى يقول : الإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في
الإيمان .
والنبي عليه الصلاة والسلام أوتي جوامع
الكلم ، أوتي الجمال البشري ، أوتي الفصاحة ، أوتي الوحي ، أوتي المعجزات ، أوتي
خصائص لا تعد ولا تحصى ، لكن حينما أراد الله أن يمدحه ، بماذا مدحه ؟ قال :
﴿
وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ .
(
سورة القلم ) .
الآن ما الذي يشد الناس إليك ؟ الخلق ،
لا ينشدون إليك لعباداتك ، ولا لحجمك المالي ، ولا لقوتك ، ولا لذكائك ، الناس
يُشدون إليك بتواضعك ، بإنصافك ، بكرمك ، بشجاعتك ، فالذي ينشد الناس إليه ، صاحب
الخلق .
التربية
الأخلاقية أخطر شيء في الدين :
لذلك إذا بدأنا بالتربية الأخلاقية نبدأ
بأخطر شيء في الدين ، وأنا أقول لكم أيها الأخوة ، أنا أحتمل من الذين حولي كل خطأ
، والمؤمن مذنب تواب .
(( كُلُّ بَني آدمَ
خطَّاءٌ وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ ))
.
[أخرجه
الترمذي عن أنس بن مالك ] .
إلا الكذب ، لذلك ورد في بعض الأحاديث :
(( يطبع المؤمن على
الخلال كلها إلا الخيانة والكذب )) .
[أخرجه
الإمام عن أبو أمامة الباهلي ] .
هناك مؤمن أنيق يعتني بثيابه عناية
فائقة ، هناك مؤمن أقل أناقة ، وهناك مؤمن يعتني ببيته عناية فائقة ، ويوجد مؤمن
أقل عناية ، و مؤمن اجتماعي ، و مؤمن يميل إلى العزلة ، و مؤمن متفائل ، وهناك
مؤمن يغلب عليه التشاؤم ، كل هذه الخصائص والطباع على العين والرأس .
(( يطبع المؤمن على
الخلال كلها إلا الخيانة والكذب )) .
فإذا كذب أو خان ليس مؤمناً ، من أبرز
ما تقدمه لأولادك الصدق ، والحقيقة الدقيقة : أن الناس أيها الأخوة يتعلمون
بعيونهم لا بآذانهم ، يعني مئة محاضرة في الصدق
تلغى بأن تقول لابنك قل له : لست في البيت ، مئة محاضرة في الصدق تلغى
بتصرف كاذب واحد ، لأن الناس يتعلمون بعيونهم لا بآذانهم ، هذا الحديث دقيق جداً :
(( يطبع المؤمن على
الخلال كلها إلا الخيانة والكذب )) .
جميع الخلال والطباع على العين والرأس ،
الآن عفواً ، في مؤمن مدني ، مؤمن ريفي ، كلاهما على العين والرأس ، في مؤمن غني ،
مؤمن فقير ، كلاهما على العين والرأس ، في مؤمن يحمل شهادة عليا ، مؤمن لم يتعلم ،
لكن صادق أمين على العين والرأس .
(( يطبع المؤمن على
الخلال كلها )) .
الكذب مؤشر خطير عند ابنك
عليك أن تنتبه له :
الآن بعلم النفس ما يسمى بعلم الطباع ،
في إنسان يميل إلى الحذر ، في إنسان يمنح الثقة لمن حوله كثيراً ، في إنسان يميل
إلى المرح ، في إنسان يميل إلى العبوس .
(( يطبع المؤمن على
الخلال كلها )) .
ليس
هناك مشكلة .
((إلا الخيانة والكذب
))
.
فإذ كذب أو خان ليس مؤمناً ، لأن النبي
عليه الصلاة والسلام في بعض أحاديثه يقول :
(( المؤمن لا يكذب ))
.
يعني الابن يخطئ ، يرتكب خطأ قد يكون
كبيراً ، الأب يحتمل إلا أن يكذب فإذا كذب ، الكذب مؤشر خطير عند ابنك .
الكذب أخطر شيء في تربية
الأولاد :
لذلك أيها الأخوة ، يقول عليه الصلاة
والسلام :
(( أَربع مَنْ كُنّ فيه
كان منافقاً خالصاً . وَمَنْ كانت فيه خَصْلَة منهن كانت فيه خَصْلَة مِنَ النِّفَاق
، حتى يَدَعَهَا : إِذا ائْتُمِن خَانَ ، وإِذا حَدّث كَذَبَ . وإِذا عَاهَدَ
غَدَرَ . وإِذا خَاصَم فجر)) .
[
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي
والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص ] .
(( أَربع مَنْ كُنّ فيه
كان منافقا خالصا )) ، من
هذه الأربع إذا حدّث كذب ، البيت المسلم ما في كذب ، لا تكذب الزوجة على زوجها ،
ولا الزوج على زوجته ، ولا الابن على أبيه ، ولا الأب على ابنه ، يكاد يكون موضوع
الكذب أخطر ما في تربية الأولاد ، لا تكذب ، كن صادقاً ، لذلك :
(( أَربع مَنْ كُنّ فيه
كان منافقا خالصا )) .
يعني أحياناً يأتي سؤال ، ألم يسمح
النبي صلى الله عليه وسلم للزوج أن يكذب على زوجته ؟ أنا أرى أن الأزواج فهموا هذا
الحديث على غير ما أراده النبي عليه الصلاة والسلام ، فهموه اكذب عليها في كل شيء
، الأسعار مضاعفة ، حنى تهتم بهذا الشيء
تزورها أختها تقول لها : أخذه بثمانية آلاف ، ما في شيء من هذا ! أربعة
بالسوق ثمنه ، ظهر زوجها أنه كاذب ، سبحان الله لحكمة بالغة ما في كذبة تستمر ،
والله أعلم الذي أفهمه من أن النبي صلى الله عليه وسلم سمح للزوج أن يكذب على
زوجته في حالة واحدة ، لو أنها سألته :
أتحبني ولم يكن يحبها كما تتمنى ، وقال
لها : إني أحبك حباً جماً ، وقد كذب عليها ، هذا الذي يرأب الصدع في البيت ، هذا
الذي يطمئن الزوجة .
لو أنه سألها أتحبينني ؟ ينبغي أن تكذب
عليه ، وأن تعبر عن حبها له كي تتمتن العلاقة بينهما ، وكي يقطف الأولاد ثمار هذه
العلاقة المتينة ، في هذا الموضوع فقط ، هذه العلاقة المتينة ، في هذا الموضوع فقط
أما النبي له شأن آخر .
سألته السيدة عائشة كيف حبك لي ؟ قالت
كعقدة الحبل ، هو في هذا صادق ، تسأله من حين لآخر : يا رسول الله كيف العقدة ؟
على حالها ، عقدة متينة ، هذا موضوع آخر ، هو في تعبيره عن محبته صادقاً .
أما أنه سمح للزوج أن يكذب على زوجته في
كل شيء ؟ الكذب يكشف بعد حين فإذا كشف صار الزوج كذاباً ، فإياكم ثم إياكم أن
تتوسعوا برخصة الكذب على الزوجة ، إلا أتحبني ؟ يقول لها إني أحبك ، طمأنتها ،
جبرت قلبها ، ما كل زواج يبنى على حب ، هناك زواج يبنى على مصلحة ، عندك أولاد
منها .
الإسلام بناء أخلاقي و
ليس صلاة و صياماً و حجاً و زكاة فقط :
أيها الأخوة :
(( عليكم بالصدق فإنه
يهدي إلى البر )) .
[رواه
الطبراني عن معاوية بن أبي سفيان ] .
(( إن الصدق يهدي إلى
البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى
النار أنه يقال للصادق صدق وبر ويقال للكاذب كذب وفجر وإن الرجل ليصدق حتى يكتب
عند الله صديقا أو يكذب حتى يكتب عند الله كذابا ))
.
[
أخرجه الحاكم عن عبد الله بن مسعود ] .
أيها الأخوة الكرام ، لما النجاشي سأل
سيدنا جعفر ، قال له : حدثنا عن هذا الإسلام ، عن هذا الدين ، قال :
(( أيها الملك كنا
قوماً أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونقطع الأرحام
، ونسيء الجوار ، ويأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه
وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لتوحيده
ولنعبده ، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ،
وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار ، والكف عن
المحارم والدماء )) .
[
أخرجه الإمام أحمد عن أم سلمة أم المؤمنين ] .
بربكم أليس هذا شرحاً للإسلام من صحابي
جليل ؟ ((
وأمرنا
بصدق الحديث وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ،
وحسن الجوار ، والكف عن المحارم والدماء )) .
أنا أقول دائماً :
(( بُنِي الإسلامُ
على خَمْسٍ )) .
[
أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي عن عبد الله بن عمر ]
هل الإسلام بني على خمس ، على صلاة ،
وصيام ، وحج ، وزكاة ، ونطق بالشهادة ؟ الإسلام شيء آخر ، الإسلام منهج أخلاقي ، الإسلام
بناء أخلاقي .
انتهاء الدين بعزله عن
الأخلاق :
مرة ثانية أيها الأخوة ، في اللحظة التي
نعزل الأخلاق عن الدين انتهى الدين ، ولا وزن للمسلمين عند الله ، وكل وعود الله
للمؤمنين معطلة ، ألم يقل الله عز وجل :
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا
مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا
اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي
ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً
يَعْبُدُونَنِي ﴾ .
(
سورة النور الآية : 55 ) .
وعود الله للمؤمنين معطلة
إن لم نكن أخلاقيين :
هذه الوعود إن لم نفهم الدين كلاً
أخلاقياً فهي معطلة ، ألم يقل الله عز وجل :
﴿
وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ .
(
سورة الصافات ) .
ألم يقل الله عز وجل :
﴿
وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ .
(
سورة الروم ) .
ألم يقل الله عز وجل :
﴿
إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ .
(
سورة غافر الآية : 51 ) .
ألم يقل الله عز وجل :
﴿
وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً ﴾ .
(
سورة النساء ) .
كم وعد ؟ إن لم نكن أخلاقيين كل هذه
الوعود معطلة ، وهذا حال المسلمين اليوم ، الإيمان هو الخلق ، فمن زاد عليك في
الخلق زاد عليك في الإيمان .
أكبر عطاء من الأب لابنه
أن يعلمه الصدق :
أخوانا الكرام ، البيت الذي فيه صدق بيت
عظيم ، بيت مبارك ، بيت في تفاهم والله
أيها الأخوة ، لو ألغي الكذب من حياتنا ، لكنا جميعاً بحال غير هذا الحال .
مرة كنت بجلسة كل ما قيل كذب بكذب ، قال
لي شخص : أين كنت ؟ قلت والله بجلسة كذب ، كل إنسان يمدح نفسه بما ليس فيه ، يمدح
بأولاده ، تمدح ببناتها ، كله كلام فارغ ، كن صادقاً .
البيت الذي في صدق بيت مقدس ، وتقريباً
معظم المشكلات تأتي من الكذب ، المبالغة كذب ، والتقليل من الشأن كذب ، هناك كذب
مبالغة ، و هناك كذب تقليل ، هناك كذب تعتيم ، وهناك كذب إبراز ، أنواع الكذب لا
تعد ولا تحصى .
لذلك أكبر وسام شرف للمؤمن أنه لا يكذب
، وأكبر عطاء من الأب للابن أن تعلمه الصدق .
بالمناسبة إذا علمته أن يكون صادقاً
وكسر آنية ، وقال لك أنا كسرتها ينبغي ألا تضربه .
إن الصدق يهدي إلى البر
وإن البر يهدي إلى الجنة :
والله أيها الأخوة ، عندي أخ أعتز فيه ،
شاب ، فتح والده له معملاً بمصر ، هو مدير معمل لكنه شاب صغير ، يسوق مركبته (سأقول
لكم كلاماً دقيقاً) مسّ سيارة أمامه فيها
إنسان بالخامسة و التسعين ، مات ، مس خفيف ، فاتصل بمدير معمله ، قال له : اطمئن ،
تعال الساعة الفلانية للقسم الفلاني ، جاء ، كل شيء منتهٍ ، ضبط بخلاف الواقع ،
المركبة التي مسها هو جاء بالتقرير أنها هي التي اقتربت منه ، فقال له : لا أوقع ،
قال له الضابط : معقول ؟ أنا ما مرّ معي شخص أنا خلصته يوقع حاله ، قال له : أنا
من الله لا أخلص ، الذي حدث خلاف ذلك ، ورفض أن يوقع ، ووقع كما وقع ، وأعطى الدية
لهذا الذي تسبب بموته وعيّن أولاده بالمعمل ، لو كنا كذلك ، هذا شاب طالب علم ،
خاف من الله أن يكتب الضبط بخلاف الواقع .
فالمؤمن لا يكذب ، في قصة إخوانا الكرام
، عبد القادر الجيلاني ، هذا من كبار العلماء ، أعطته أمه أربعين ديناراً ذهبياً
من أجل أن يتابع العلم في بغداد ، في الطريق اعترضت قافلته قطاع الطرق (اللصوص) ،
من مجموعات مجموعات ، أول مجموعة كم معك يا غلام ؟ قال أربعون ديناراً ذهبياً ، لم
يصدقوه ، المجموعة الثانية ، قال لهم : معي أربعون ديناراً ، فأخذه أحد أفراد
العصابة إلى رئيس العصابة ، قال : يقول إن معه أربعين ديناراً ، قال له : معك ؟
قال له معي ، قال له : كيف أعلنت عن هذا المبلغ ؟ قال له : لأني عاهدت أمي على
الصدق ، وحلفت عليّ إلا أكذب ، وأنا أخاف أن أخون عهدها ، رئيس العصابة قال له :
أنت تخاف أن تخون عهد أمك ، وأنا لا أخاف أن أخون عهد الله عز وجل وبكى ، وتاب على
يد هذا الغلام ، فإذا بأفراد العصابة جميعاً يتوبون كما يتوب رئيسهم طفل صادق .
والله أيها الأخوة ، يوجد قصص عن آثار
الصدق ، الصدق منجاة ، والكذب مهواة ، لذلك :
(( عليكم بالصدق فإنه
يهدي إلى البر )) . ((
إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الكذب يهدي إلى
الفجور ))
.
الصادق يكتب عند الله
صدّيقاً :
شخص سأل النبي عليه الصلاة والسلام سؤالاً
، قال له : يا رسول الله ، ماذا ينجي العبد من النار ؟ قال : إيمان بالله ، قال :
مع الإيمان عمل ؟ قال : أن يعطي مما أعطاه الله ، قال : فإن كان لا يجد ، وضع له
عقبة ، فقال عليه الصلاة والسلام : أن يأمر بالمعروف وأن ينهى عن المنكر ، قال :
إن كان لا يستطيع ، قال له : فليعن الأخرق (أي يحاول الإنسان) ، قال له : إن كان
لا يقدر ، قال له عليه الصلاة والسلام ، كأنه أخذه غضب شديد ، قال له : أو ما تريد
أن تترك لصاحبك من خير ؟ ما له ولا ميزة ؟ لا يستطيع أن يعطي مما أعطاه الله ، ولا
يستطيع أن يأمر بالمعروف ، ولا أن ينهى عن المنكر ، ولا أن يعين إنساناً ؟ ليمسك
أذاه عن الناس ، قال له : وإن فعل هذا دخل الجنة ؟ اسمعوا الجواب الرائع ، قال
عليه الصلاة والسلام :
(( ما من مؤمن يصنع
خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى يدخل الجنة )) .
[
أخرجه ابن أبي شيبة عن أبو ذر الغفاري ] .
أي أنت حينما تصدق ولا تكذب هذا الصدق
يأخذك إلى البر ، يا بني صليت العشاء ؟ الابن عاهد ربه على الصدق ، لا يا بابا ،
تعال نصلي معاً ، صلى ، قال له صليت سكت الأب ، ما دام صدق ((
الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عند
الله صديقا )) .
المتابعة تحتاج إلى جهد
لكن ثمارها يانعة جداً :
لذلك أكبر عطاء يقدمه الأب لأولاده أن
يعلمهم الصدق ، لكن المتابعة متعبة ، أين كنت ؟ عند رفيقي ، أفضل لك أن تقبل منه ،
لكن أنت عندك إحساس هذه الرواية غير صحيحة من رفيقك ؟ اسمه ؟ أعطيني هاتفه ، اتصل به
، تحتاج إلى وقت و إلى جهد و إلى نفس طويل ، متعبة ، المتابعة متعبة ، أكثر الآباء
يميلون إلى الراحة ، أي رواية تقدم لهم يصدقونها على أولادهم ، الابن وجد الأب ما
حقق ، عوده على الكذب ، أما إذا حقق تحقيقاً دقيقاً ، ووصل إلى الخطأ ، وأدبه عليه
، أو لو لم يؤدبه ، مع الأب صعب جداً يقبل رواية غير صحيحة .
هذه الأبوة ، متابعة ، أين كنت يا ابنتي
؟ عند رفيقتي ، من بيت من ؟ قد تكون مع شاب كانت ، قالت له : عند رفيقتي ، تلفونها
، لا أعرف تلفونها ، قومي نسألهم ، ركبها بسيارته تفضلي ، أين بيتها ؟ ما كنت عندها
؟ لما الابن أو البنت تلاحظ في متابعة دقيقة ، أنا بالنسبة لي في نقطة دقيقة ، أي
منصب قيادي ، إذا ما تابعت تنتهي .
مرة كنت بمؤسسة تعليمية كبيرة ، ما
أعطيت أمراً إلا وسجلته عندي ، ثاني يوم أطلب الشخص ، ماذا فعلت ؟ أنا لما أعطي
أمراً ما أكتب أمامه ، أعطي أمراً شفهياً ، يخرج من الإدارة ، أكتب عندي على
المذكرة ، الأمر الذي أعطيته إياه ، ثاني يوم تابعه ، بعد أسبوع أو أسبوعين أو
ثلاثة شعر كل من حولي لا يمكن أن أنسى شيئاً ، أنا أنسى لكني أكتبه أنا أقول
للآباء أعطيت ابنك توجيهاً اكتبه عندك ، ثاني يوم طالبه فيه ، عاهد ابنك على شيء
اكتبه عندك ، ثاني يوم طالبه فيه ، المتابعة تحتاج إلى جهد لكن ثمارها يانعة جداً
.
لما الابن يقدم رواية غير صحيحة والأب
ما تابعها ، الأب بعدم متابعته ، وعدم التدقيق والتحقيق ، وجد الكذب سهل ، أنا
أميل إلى أن أعتقد والاعتقاد مؤلم أن كل أخطاء الأولاد بسبب أخطاء الآباء ، لا
تقول أن ابني سيئاً ، لا يوجد ابن سيء ، لكن في تربية سيئة التربية السيئة أعطت
ابناً سيئاً .
الصدق أمانة والكذب خيانة :
إخوانا الكرام ، الصدق أمانة ، والكذب
خيانة ، الصدق أمانة والكذب خيانة لكن في حديث يقصم الظهر :
(( كبرت خيانة أن
تحدث أخاك حديثاً هو لك مصدق أنت به كاذب )) .
[أخرجه
الإمام أحمد عن نواس بن سمعان ] .
لا تحابي نفسك ، إن حدثت أخاك حديثاً وهو لك به
مصدق ، وأنت له به كاذب فقد ارتكبت خيانة ، خيانة كبيرة جداً .
(( كبرت خيانة أن
تحدث أخاك حديثاً هو لك مصدق أنت به كاذب )) .
[أخرجه
الإمام أحمد عن نواس بن سمعان ] .
والكذب مهما يكن في توافه الأمور فهو
كذب ، كان النبي صلى الله عليه وسلم في بيت
أقربائه فيما يبدو ، فسمع امرأة تقول لابنها تعال هاك أي خذ ، فالنبي انتبه ، قال
لها ماذا أردت أن تعطيه ؟ قالت : تمرة ، قال : أما إنه لو لم تفعلي لكتبت عليك
كذبة ، تعال هاك.
لي قريب مقيم بأمريكا ، جاء في الصيف ،
فابنه الصغير يبدو أنه نشيط نشاطاً زيادة عن الحدود الطبيعي ، فجدته قالت له :
اهدأ ومساء سآخذك إلى مكان جميل ، فهدأ لأنه صدقها ، فارتاحت ، في المساء لم تأخذه
، وهي بالأساس لا تنوي أن تأخذه ، لكن بهذه الطريقة تسكته ، هو صغير جداً قال
لجدته : أنت إنسانة كاذبة .
على كل إنسان أن يلتزم
الصدق لأن الصادق إنسان عزيز النفس :
يا أخوان الأب قدوة ، إياك ، ثم إياك ،
ثم إياك أن تكذب لا على أولادك ، ولا على زوجتك ، قل الحق ولو كان مراً ، الصادق
عزيز النفس .
عفواً لو أنت ذهبت إلى بيروت ، وقال لك
شخص : أرجو أن تأتي بهذه الحاجة وأنت نسيته ، فلما عدت سألك ، هل أتيت بها ؟ لو
قلت له مفقودة ، هو ما عنده إمكانية يحقق ، سكت ، لكن أنت ألا تصغر أمام نفسك ؟ يصبح
انهدام داخلي ، لو تجرأت وهو إنسان غالٍ عليك ، قلت له والله نسيت ، ينزعج منك ،
لكن بعد الانزعاج تشعر بعزة الصدق ، تكلم ، قل نسيت ، لا تقل ما وجدتها .
يعني في حالات كثيرة جداً لا يستطيع
الآخر أن يكتشف الآخر ما إن كان صادقاً أو كاذباً ، كن صادقاً ، وهييء نفسك لموقف
صعب ، لكن الصدق منجاة ، والكذب مهواة .
أي الأب ، الأم ، المعلم ، الأخ الأكبر
، مدير المحل ، مدير معمل ، مدير جامعة ، مدير مستشفى ، حاول أن تقول صادقاً .
هل تصدقون أن أحد رواة الحديث الشريف ،
لأنه كذب على فرسه الذي أتى من المدينة إلى البصرة ليأخذ حديثاً عن هذا الراوي ،
من المدينة للبصرة ، جاء ليأخذ حديثاً عن أحد الرواة ، قبل أن يصل إليه رآه يجمع
ثوبه هكذا ، موهماً فرسه بأن فيها شعيراً ، فلما أقبلت عليه أمسك بزمامها ، لا
يوجد شعير ، لم يقبل أن يأخذ عنه الحديث ، أي الذي يكذب على فرسه ليس مؤهلاً أن
يؤخذ عنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أحبّ شيء إلى الله تعالى
الشاب التائب :
أيها الأخوة ، ((
إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر )) لما أنت تصدق مع
الناس بعد حين تصدق مع نفسك ، وبعد حين تصدق مع ربك ، والله الذي لا إله إلا هو لو
ألغي الكذب من حياتنا ، لكنا بحال آخر ، المرأة صادقة ، الزوج صادق ، المدير العام
صادق الموظف صادق ، أما آلاف الحالات
بإمكانك أن تكذب ، ولا أحد يكتشف أنك كاذب .
(( كبرت خيانة أن
تحدث أخاك حديثاً هو لك مصدق أنت به كاذب )) .
[أخرجه
الإمام أحمد عن نواس بن سمعان ] .
لذلك ورد في الأثر :
(( أحب ثلاثاً ، وحبي لثلاث أشد ، أحب الطائعين ، وحبي للشاب الطائع
أشد))
يعني إنسان بالثمانين لا يعصي الله ،
أما بالخامسة عشر ، بالسادسة عشر ، بالثامنة عشر كتلة اندفاعات ، كتلة شهوات ، لا
يوجد شيء أحب إلى الله تعالى من شاب تائب.
(( إن الله يباهي
الملائكة بالشاب التائب ، ويقول انظروا عبدي ترك شهوته من أجلي ))
.
(( أحب ثلاثاً ، وحبي لثلاث أشد ، أحب الطائعين ، وحبي للشاب الطائع
أشد ، أحب المتواضعين ، وحبي للغني المتواضع أشد ))
.
والله أيها الأخوة ، لو التقيت بغني
مؤمن تشتهي الغنى منه ، من تواضعه ، من سخائه ، من حبه للآخرين .
(( وأحب الكرماء ، وحبي
للفقير الكريم أشد )) .
يحب الطائعين وحبه الشاب الطائع أشد ،
يحب المتواضعين وحبه للغني المتواضع أشد ، يحب الكرماء وحبه للفقير الكريم أشد .
(( أبغض ثلاثاً ، وبغضي لثلاثٍ أشد ، أبغض العصاة ، وبغضي للشيخ العاصي
أشد
))
.
(( وأبغض المتكبرين
وبغضي للفقير المتكبر أشد )) .
يكذب ، يدعي ما ليس له ، كيف يستطيع
الفقير أن يتكبر ؟ بالكذب .
(( وأحب الكرماء ، وحبي
للفقير الكريم أشد )) .
الدين منهج موضوعي عليك
أن تطبقه حتى تقطف ثماره :
أيها الأخوة ، لابد من أن نقف وقفة
متأنية عند ما يجري في البيت ، هذا الطفل ما في داعي أن نعمل له محاضرات ، يكفي أن
نكون قدوة له ، القدوة قبل الدعوة ، يكفي أن تكون أنت مثلاً أعلى لهم ، وأمه كذلك
، وأخوه الأكبر كذلك ، الأمر يستقيم ، أحياناً تقول التربية تحتاج إلى معلومات ،
إلى دراسات ، لا ، لا ، عندنا قاعدة : الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به ،
كيف ؟
يأتي إنسان يحمل دكتوراه في التكييف ،
جامعة كبيرة ، يشتري مكيفاً ، يضغط مفتاح التشغيل يأتيه الهواء البارد ، لكنه على
علم بكل ما يجري بهذا الجهاز ، موضوع الغاز ، تحول الغاز إلى جو بارد ...إلخ .
لو جاء إنسان لا يقرأ ولا يكتب واشترى
مكيفاً ، وضغط مفتاح التشغيل يأتيه الهواء البارد مع أنه لا يفقه شيئاً مما يجري
في هذا الجهاز ، فقال العلماء : الانتفاع بالشيء ليس أحد فروع العلم به .
يعني أنت حينما يصدق ابنك ، من دون تعمق
، من دون تحليل ، من دون فلسفة ، يقطف كل ثمار الصدق ، وحينما يكذب الإنسان من دون
تحليل ، من دون تعميق ، من دون يتحمل كل نتائج الكذب .
فعظمة هذا الدين ، منهج موضوعي ، هو أنت
حللته تحليلاً عميقاً ، لو لم تحلل هذا المنهج يكفي أن تطبقه ، حتى تقطف كل ثماره
.
الصدق يجب أن يكون
شمولياً يشمل كل أفراد الأسرة :
لذلك هذا الموضوع موضوع الصدق يجب أن
يكون شمولياً ، بدءاً من الأب وانتهاءً بالصغير ، حتى في دراسات الآن الطفل الرضيع
أحياناً تنظفه ، وتطعمه ، ويبكي فإذا حملته عودته وهو في سن الشهر أنه لو كان قد
أكل ، وارتوى ، وكان نظيفاً ، لكن يحب من يعتني به زيادة ، فيبكي تحمله ، أما في
أب لا يحمله ، ما دام نظيفاً وآكل أكلاً جيداً ، لا يحمله ، ما عاد يبكي بلا سبب ،
أنت عودته يبكي بلا سبب ، لما حملته عودته يبكي بلا سبب .
إخوانا الكرام ، أكثر ما يعاني الآباء
من أبنائهم في سنوات متقدمة من حياتهم أخطاء مارسوها حينما كان الأطفال صغاراً .
والحمد لله رب العالمين